شارك

"الكتلة الوطنيّة": الاتّفاق مع إسرائيل يُفرِح المسؤولين… فهل يخدم المصلحة الوطنيّة؟

صدر عن "الكتلة الوطنيّة" البيان الآتي:

تزاحم زعماء الطوائف على الاحتفال بالاتفاق البحري مع إسرائيل. فهللّ الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله قائلاً في خطابه نهار الثلاثاء في 11 تشرين الأوّل الحالي أنّ "الليلة للتصفيق والفرح"، وأنهى النقاش المستعر على أبوّة الاتفاق بين الرؤساء الثلاثة وباقي زعماء القبائل اللبنانيّة محتفظًا لنفسه بحصّة الأسد في تحصيل اتفاق، أقل ما يقال فيه، إنّه أسوأ من اتفاق 17 أيّار 1983، وذلك باعتراف جريدة "الأخبار" نفسها بتاريخ 13 تمّوز 2022.

صحيح أنّ الاتفاق يسمح للبنان ببدء عمليّة التنقيب في حقل قانا، من دون أن يكون هناك ضمانات حقيقية حول حجم الكمّيات الموجودة في البحر، وصحيح أنه، وفي حال تأكّد وجود كمّيات قابلة للاستخراج وتأمّنت إدارة جيّدة للقطاع خارج منطق المحاصصة والتعطيل المعهود قد يوفّر ذلك إيرادات للدولة اللبنانيّة، مع العلم أنّها لن تكون كافية لسد الخسائر ولا تغني عن إصلاحات "صندوق النقد الدولي". ولكن من حق اللبنانيّات واللبنانيّين أن يعرفوا أنه كان بالإمكان للبنان أن يستحصل على حصة أكبر بكثير من الحقول المتنازع عليها لو كانت هناك إدارة أفضل وأكثر شفافيّة لعمليّة التفاوض.

إنطلاقًا من هنا، فإنّ الاتّفاق يُعتبر أنّه فشل مقارنة بما كان يمكن للبنان أن يستحصل عليه، ويطرح أسئلة حول سبل إدارة لبنان لسياسته الخارجيّة والدفاعيّة، لأسباب عدة أهمّها:

  • الاتّفاق السيّئ هو نتيجة للأخطاء التي راكمتها السلطة السياسيّة خلال مفاوضات الترسيم، أوّلا، مع قبرص في العام 2007 من خلال اعتماد النقطة رقم 1، ثمّ بالتخلي عن الخط 29 عام 2011 باعتماد الخط 23 آنذاك، بموجب المرسوم 6433، وعند بدء المفاوضات مع إسرائيل، علمًا أنّ الخط 29 يرتكز إلى أسس قانونيّة وتاريخيّة ثابتة وكان ليُعزّز وضع لبنان التفاوضي.
  • إنّ معادلة "جيش شعب ومقاومة" لم تسمح للبنان بالاستحصال على حقوقه كاملة، أمّا استعراض "المسيّرات المدنيّة" قبل شهرين من انتهاء المفاوضات لم يكن إلا استباقًا لاتّفاق يعيد النظر بموجبات احتفاظ "حزب الله" بسلاحه، ولم يسمح بأيّ شكل من الأشكال في تحسين شروط هذا الاتّفاق.
  • عجز زعماء الطوائف بالتكافل والتضامن عن الدفاع عن المصلحة اللبنانيّة العليا فتهافتوا على الاتفاق مع إسرائيل خدمة لمصالحهم الخاصة الآنيّة: من جهة رئيس الجمهوريّة ميشال عون فهو يسعى إلى إنقاذ عهده ووريثه السياسي؛ أما "حزب الله" فمشغول بإعادة إنتاج شرعيّة سياسيّة داخليّة وخارجيّة لنظام سياسي مهترئ قد جهد في الدفاع عنه خلال انتفاضة 17 تشرين؛ في حين أنّ باقي أفرقاء المنظومة انصاعوا من دون مشقّة لطلبات الديبلوماسيّة الفرنسيّة والأميركيّة المتعطّشة إلى اتفاق يجعل من شرق المتوسّط مصدرًا أساسيًا لسوق الطاقة الأوروبيّة.

عليه، وانطلاقًا من هذه التجربة التفاوضيّة الفاشلة، لا بد من استخلاص العبر بما يسمح من جهة بحفظ أمن لبنان والحدود الجنوبيّة، ومن جهة أخرى، بحسن إدارة قطاع النفط والغاز بعيدًا من هيمنة زعماء الطوائف:

  • أوّلاً، الاتّفاق يُرسي معادلة أمنيّة جديدة بين لبنان وإسرائيل، بفعل ربط المصالح الاقتصادية للطرفين، فقدرتهما على الاستفادة من الثروات الغازية مرتبطة بتأمين استقرار مستدام للحدود الجنوبيّة:
  • انتفاء الحاجة لمعادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، بعد قبول إسرائيل و"حزب الله" بالاتفاق والتطبيع الاقتصادي بين البلدين.
  • بناء سياسة دفاعيّة تقوم على وضع ترسانة "حزب الله" بتصرّف الجيش اللبناني وتقوية الأخير عسكريًا من جهة، وسياسة خارجيّة تستفيد من الاتفاق لانتزاع اتّفاق هدنة يستند إلى الدستور اللبناني ويحظى برعاية دوليّة وعربيّة تعطي للبنان ولأهل الجنوب تحديدًا ضمانات أمنيّة لم يحظوا بها منذ إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948. فأمن شرق المتوسط بات اليوم مربوطاً بشكل مباشر بأمن أوروبا الاقتصادي.
  • ثانيًا، إنّ الاتفاق وإمكانيّة تحوّل لبنان إلى بلد نفطي يعزّز من الحاجة إلى تطبيق الإصلاحات المطلوبة من قبل "صندوق النقد الدولي"، بما تشكّله من ضمانات لحوكمة ماليّة أكثر فعاليّة وشفافيّة.
  • ثالثًا، إعادة تشكيل الإدارة الدبلوماسيّة اللبنانيّة والاستفادة من القدرات البشريّة المتوفّرة، خارج منطق المحاصصة والمحسوبيّات، تضع المصلحة الوطنيّة العليا فوق كل اعتبار.
  • رابعًا، إحالة الاتّفاق إلى المجلس النيابي التزامًا بنص الدستور اللبناني وسيادة الشعب على ثرواته.
مواقف سياسية