صدر عن "الكتلة الوطنيّة" البيان الآتي:
أعاد الشعب السوري قضيّته إلى الواجهة، بعدما نجح في تحرير نفسه وبلده والشرق الأوسط من هذا النظام القبيح، بعد حكمٍ دام أكثر من 53 سنة. إننا في "الكتلة الوطنيّة اللبنانيّة"، نبارك للشعب السوري حرّيته التي طال انتظارها، ونبارك للبنان سقوط طاغية الشام الذي كنّا كلبنانيّين أوّل من شهدنا على اجرامه وخبثه. فالمشاهد والصوَر المريعة التي تصلُنا من صيدنايا تذكّرنا، بعد 80 عامًا، بالمعتقلات والمحارق النازيّة في الحرب العالميّة الثانية. ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر، وُجب التعاطي مع هذا النظام وأركانه، أخلاقيًا وسياسيًا وقانونيًا، كما تمّ التعاطي مع النازيّة من قَبلِه.
إنّ سقوط نظام الأسد يشكّل فرصة أمام السوريّين لاسترجاع حقّهم في تقرير مصيرهم، ولبناء دولة عصريّة وعادلة وديمقراطيّة، ترفع عنها كلّ الاحتلالات الأجنبيّة، وتُطمئنُ جميع السوريّين وتصون حرّياتهم، أفرادًا وجماعات، وتمحو سنوات الظلم والتنكيل الذي تعرّضوا له. ويشكّل فرصة من أجل مراجعة تاريخيّة تفضي لمعالجة سوء التفاهم التاريخي بين لبنان وسوريا ولحلّ كل القضايا العالقة، وأبرزها اللجوء السوري في لبنان، والأسرى اللبنانيين في سجون النظام السابق، وضبط وترسيم كلّ الحدود، انطلاقًا من مزارع شبعا.
إنّنا في لبنان، وبعد أن عانينا ما عانيناه، نتطلّع اليوم الى تطبيع العلاقات مع الحكم العتيد في سوريا، طالما يعبّر عن الإرادة الحرّة للسوريّين ويساوي فيما بينهم أمام القانون. لذلك، ندعو إلى مقاربة لبنانيّة لهذا الوضع الجديد تقوم على الحيادِ الإيجابيّ، وتؤدّي إلى بناء سلامٍ حقيقيٍّ ومستدامٍ بين الشعبين والبلدين، مبنيّ على الاحترام الكامل لسيادة الدولتين وعلى المصالح المشتركة، وما أكثرها، بعد أن كانا معًا ضحايا لذلك النظام.
إنّ التطوّرات الأخيرة في سوريا تبشّر أيضًا باضمحلال المشروع التوسّعي الإيراني وقطع أوصاله في المنطقة، وهو ما لا يمكن أن ينعكس إلاّ إيجابًيا على تعزيز الدول الوطنيّة المبنيّة على مصالح شعوبها وطموحاتهم. ويبشّر بانتهاءٍ قريبٍ لصلاحيّة الطبقة السياسيّة في لبنان، إذ إنّ الجزء الأكبر منها هو صنيعة النظام السوري السابق، ولطالما كانت مرتهَنةً له، منفّذةً إملاءاته ورغباته، ومبدّيةً مصالحه على مصلحة لبنان؛ إذ يبدو أنّها غير قادرة على أن تُحرّر نفسها منه، وإلاّ لكانت بادرت إلى إزالة رموزه، وإلى منع من تبقّى من قياداته السياسيّة والأمنيّة من الاختباء في لبنان أو العبث بأمنه.
يبقى أنّ هذه اللحظة التاريخيّة المليئة بمشاعر الأمل والفرح هي بداية لمرحلة جديدة في سوريا قد يبرز فيها الكثير من الصعوبات والتحدّيات قبل بلوغ الاستقرار المنشود. فعلينا كلبنانيّين التحلّي بأقصى درجات التعقّل لحماية أنفسنا وبلدنا في ظلّ المتغيّرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة، والتي يبدو أنّها لم تنتهِ بعد.