شارك

"الكتلة الوطنيّة" دعت إلى "حكومة إنتقاليّة مستقلّة": 5 شروط للإنقاذ تحمّل العبء لمن تسبّب بالإفلاس لا للمواطنين

دَعَت "الكتلة الوطنيّة" إلى "تعيين حكومة إنتقاليّة مرحليّة مستقلّة تتمتّع بصلاحيّات إستثنائية"، وإلى "تقديم مصلحة لبنان وشعبه على سياسة المحاور" في الصراع الإقليمي، من ضمن خمسة "شروط مسبقة" اقترحتها "لأيّ خطة إصلاحيّة"،معتبرةً أنّ "السبيل الوحيد للخروج من الأزمة" هو "الإصلاح االسياسي" و"تغيير قواعد اللعبة السياسيّة". وشدّدت على أن شروط الإنقاذ التي طرحتها "تُحمّل العبء والتعويض عن الخسارة لمن تسبّب بها" لا للمواطنين كما ورد في الخطة الحكوميّة المسرّبة، و"تُسهم في استعادة الثقة بلبنان "فتعود الإستثمارات ويكبر حجم الإقتصاد". وجاء في بيان أصدرته "الكتلة":

من المؤسف أنّ أهم إنجاز في الخطة الإصلاحية المسرّبة للحكومة لا يتعدى الكشف عن حجم الخسائر المتراكمة التي تفوق خسائر البلدان الأكثر تعثّراً مثل اليونان والأرجنتين. وفشلت الخطة في تحديد المسؤولية على السلطة السياسيّة التي راكمت هذه الخسائر، وتجاهلت دور السياسات الكارثية للحكومات المتعاقبة والمصرف المركزي وهشاشة القطاع المالي والمصرفي في لبنان.

هذا الحجم من الخسائر يتطلّب أكثر بكثير من خطة مالية - أي معظم التدابير التي عرضتها الخطة - فهو يتطلّب إصلاحاً سياسياً لأنّ قواعد اللعبة السياسيّة التي سمحت بالوصول إلى هذا المستوى من الانحدار لا تزال متحكّمة بالبلاد وتمنع الخروج من الأزمة.

وتؤكد الأحداث الأخيرة هذه النظرية: من جهة سارعت أحزاب السلطة إلى المزايدات لحماية المودعين بعدما كانت أهدرت أموالهم على مدى ثلاثة عقود، بدلاً من أن تعترف بالمسؤولية وتُغيّر نهجها وأداءها.

ومن جهة ثانية، يتسارع هبوط الليرة اللبنانية خارج أيّة ضوابط أو من خلال عمليّة توزيع أدوار بين السلطة والمصرف المركزي ما يؤدّي إلى وقوع عبء الخسائر الباهظة على الشعب بأكمله.

لذلك، يجب توفير الشروط المسبقة لأيّ خطة إصلاحيّة للخروج من الأزمة بأسرع وقت ممكن بدلاً من التخبط فيها، وهي على الشكل الآتي:

 الشرط الأوّل: تعيين حكومة مستقلّة

الإنهيار المالي هو نتاج عاملين أساسيّين: الأوّل هو فساد أحزاب السلطة وسوء إدارتها، والثاني هو النظام السياسي غير الفعّال الذي أدّى إلى شلل الدولة على مدى عقود. فقد استغلّت القيادات السياسية بعض الغموض والثغرات في دستورنا لتحوّله تدريجاً إلى نظام شبيه بالأمم المتحدة التي تملك فيها القوى الأساسيّة "حق النقض" على كل القضايا. نظام الـ"فيتو" المتبادل أو "الفيتوقراطيّة" هو نظام التعطيل المستمر. وهذا الشلل كان سيؤدّي عاجلاً أم آجلاً إلى الانهيار.

في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة، والتي تتطلّب إجراءات طارئة تحمي اللبنانيّين، ونظراً إلى عدم توفّر الوقت والشروط لإجراء انتخابات مبكرة تحت إدارة مستقلة تؤدي إلى تغيير الطبقة الحاكمة منذ ٣٠ سنة، يبقى الحل الوحيد بتعيين حكومة إنتقاليّة مرحليّة مستقلّة تتمتّع بصلاحيّات إستثنائية، لتفادي وقوعها على غرار الحكومة الحاليّة في فخ الشروط والشروط المضادة.

الشرط الثاني: محاسبة المسؤولين واستعادة الأموال المنهوبة

الشعب اللبناني لن يقبل بتضحيات إضافية إلا إذا تبدّل نهج الدولة وأعطينا ضمانات من خلال إصلاحات جذريّة وآنيّة تبرهن نيّة الحكومة الجدّية إنشاء عقد اجتماعي جديد ووضع حدٍ للفساد من خلال إجراءات فوريّة وعمليّة، وهي:

  1. إقرار قانون إستقلاليّة ‏القضاء وفق الطرح الذي قدّمته "المفكّرة القانونية".
  2. إلغاء السرّية المصرفيّة
  3. إنشاء لجنة مستقلة من قضاة وخبراء مستقلين تتولّى المهام التالية:
    • إستعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة: وقد اعترف النائبان حسين الحاج حسن وعناية عز الدين بأنّ الفساد يكلّف لبنان سنوياً ‏بين 4 و6 مليار دولار.
    • إعادة التدقيق بجميع المناقصات التي تزيد قيمتها عن 5 ملايين دولار والتدقيق بمنطقيّة السعر المحدّد، وبالتقيّد بكل الشروط الفنّية، والمقارنة بين الأسعار المعلنة عند تلزيم المناقصات والمبالغ المدفوعة فعلياً. مع العلم أنّ وزير المال السابق النائب علي حسن خليل اعترف، في مقدمة موازنة العام 2020، وفي تصريح لاحق أيضاً، بأنّ "الحكومة دفعت فروقات للمتعهّدين بمبالغ طائلة جداً" عاد وحدّدها بأربعة أضعاف قيمة التلزيم الأساسي.
    • التحقيق في التهرّب الضريبي الذي قدّره الوزير منصور بطيش بـ1.8 مليار دولار سنوياً ‏وحجز أموال و/أو ممتلكات من تهرّب ضريبياً بغية استعادت المبالغ المهرّبة.
    • التحقيق في التهرّب الجمركي الذي قدّره النائب جورج عدوان بـ700 مليون دولار سنوياً في مرفأ بيروت فقط ‏وحجز أموال و/أو ممتلكات من قام بالتهّرب بغية استعادة المبالغ المهرّبة.
    • إستيفاء فوري للغرامات على إشغال الأملاك البحرية المحدّدة في موازنة 2020 بـ100 مليون دولار لسنة واحدة وحجز أموال و/أو ممتلكات من يتخلّف عن الدفع.
  4. ‏تجميد كل الأصول الثابتة والمنقولة، في لبنان والخارج، العائدة لكل من تسلّم موقعاً ‏سياسياً أو مالياً منذ عام 1990.
  5. تدقيق حسابات جميع المؤسّسات والشركات المملوكة كلّياً أو جزئياً من الدولة
     
    الشرط الثالث: تقديم مصلحة لبنان وشعبه على سياسة المحاور

    من الواضح أنّ لبنان يعيش في نوع من الانفصام في الشخصية: فمن جهة يلتزم محوراً سياسياً معادياً للغرب، ومن جهة ثانية يمدّ يده لطلب المساعدات منه. كان من الممكن تفادي هذا الواقع لو إلتزمت كل الأطراف السياسيّة النأي بالنفس وأيّدت تأليف حكومة مستقلة. لكنّها في الحقيقة، اختارت التشبّث بالحكم والذهاب إلى المجهول بتعيين حكومة من لون واحد.

    لذلك، من الضروري إعادة تقييم السياسة الخارجيّة وإعادة تموضع لبنان في الصراع الإقليمي بطريقة تؤمّن أفضل العلاقات مع أطراف الصراع من دون الإنجرار وراء أحدها، مع الإلتزام بضرورات الدفاع عن لبنان في وجه العدو الإسرائيلي.

    الشرط الرابع: وضع عقد إجتماعي جديد

    في الوقت الذي نعت الحكومة النموذج الإقتصادي اللبناني من خلال السماح بالـ"كابيتال كونترول" (ولو من دون تشريعه) والتخلّف عن دفع الديون، كان من المفترض أنْ تكون لديها رؤية واضحة عن النموذج الاقتصادي والاجتماعي الجديد.

    إلاّ أنّ الأحزاب التقليديّة عاجزة عن تصوّر لبنان الجديد لأنّها مستفيدة من النظام الحالي ومسؤولة عن فشله. وبالتالي، على قوى "17 تشرين" أنْ تلتقي حول رؤية موحّدة تحدّد معالم لبنان الجديد من حيث نظامه الاقتصادي والاجتماعي؛ وأنْ تشمل هذه الرؤية، من جهة، نظاماً اقتصادياً جديداً منفتحاً على العالم، عادلاً، منتجاً ولا يتّكل على تحويلات الخارج. ومن جهة ثانية نظاماً إجتماعياً يؤمّن الحقوق الإقتصاديّة والإجتماعية المكفولة بالدستور بما فيها حق كل شخص بالضمان الإجتماعي والحق في الصحّة والتعليم وضمان الشيخوخة، وتعويضات البطالة، وبتأمين حاجاته الأساسيّة. وذلك بالإضافة إلى إقرار نظام ضريبي تصاعدي عادل وفعّال.

    الشرط الخامس: توزيع عادل للخسائر

    قدّمت الحكومة تصوّرها عن توزيع عادل للخسائر يقوم على تحميل جزء منه للمصارف والمودعين الكبار، مع العلم أنّ الـ"هيركات" مطبّق عملياً بسبب احتجاز أموال الناس في المصارف وإخضاعهم لأكثر من سعر صرف للدولار بشروط تتبدّل كلّ يوم.

    لا مفر من عمليّة توزيع الخسائر على أن تكون آخر إجراء للخروج من الأزمة، وشرط أن تُراعي ٣ ضرورات قد تكون متناقضة: حماية المودعين الصغار، وحماية الأجيال المقبلة من خلال حماية ممتلكات الدولة، وحماية المستثمرين لأنّهم في نهاية المطاف هم الذين يؤمّنون فرص العمل وإعادة نهوض لبنان من الأزمة.

    لذلك، مطلوب من الحكومة قبل اقتطاع الودائع، أن تعطي أرقاماً وأجوبة واضحة عن الحلول البديلة للـ"هيركات" وهي:

  6. إستعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة كما ورد أعلاه والبدء بالإصلاحات المذكورة في هذه الورقة لوقف الهدر والفساد.
  7. إستعادة الفوائد المحقّقة لكلّ مودع في الفترة السابقة التي تفوق معدّل الفوائد عالمياً.
  8. إقرار ضريبة استثنائيّة على الثروة.
  9. تشجيع المودعين الكبار على الاستثمار في القطاعات المنتجة اللبنانيّة خصوصاً المصدّرة منها، عبر محفّزات.
  10. وقف التعاميم العشوائية لمصرف لبنان

    إذا بقيت من خسائر بعد استنفاد جميع الإجراءات الملحوظة أعلاه، فيمكن عندها القيام بالآتي:

  11. قص ودائع كبار المودعين، على أن يحدّد سقف أقصى للإقتطاع لا يتعدى 20% أو 30٪؜ من الودائع.
  12. خصخصة بعض القطاعات إذا لزم ذلك، وحسب شروط واضحة وموضوعيّة تحفظ مصلحة الشعب، وشرط ألا تتمّ بأسعار متدنّية وألاّ تعود إلى القيادات السياسيّة من خلال مستثمرين وهميّين.
     
    إنّ كل هذه الاجراءات، وعلى ‏عكس خطة الحكومة، تُحمّل العبء والتعويض عن الخسارة لمن تسبّب بها ولا تمسّ بأموال المواطنين وأملاكهم. والمهم أيضاً أنّ الثقة ستُستعاد في لبنان عند معاقبة المسؤولين، فتعود الإستثمارات ويكبر حجم الإقتصاد الذي سيساهم في إزالة تداعيات الأخطاء الماضية.

    في الختام، نعود ونؤكد أنّ أيّ خطة إصلاحيّة تُشرف عليها أحزاب السلطة التي أوصلت البلاد إلى الإفلاس لن تؤدّي إلا إلى مزيد من الإفقار والخسائر والمعاناة. إنّ تغيير قواعد اللعبة السياسيّة هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة.
مواقف سياسية