شارك

لبنان: الأزمة المالية، التشخيص، التداعيات وسبل الحلول

الكتلة الوطنية، سلسلة "خلينا على تواصل"، حلقة 28 أيار 2020 مع د. هنري شاوول، مستشار وزير المالية وعضو في فريق التفاوض اللبناني مع صندوق النقد الدولي، و د. عامر بساط، خبير اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي، إدارة الجلسة هلا بجاني، المديرة التنفيذية لكلنا إرادة.

يوم الخميس 28 أيار 2020، استضافت الكتلة الوطنية ندوة عبر الإنترنت مع د. عامر بساط و د. هنري شاوول وأدارتها السيدة هلا بجاني لمناقشة الأزمة المالية وتشخيص اسبابها وتداعياتها وسبل الحلول المتاحة. الدكتور هنري شاوول، مصرفي، وهو حاليا مستشار لوزير المالية وعضو في فريق التفاوض اللبناني مع صندوق النقد الدولي. د. عامر بساط، خبير اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي. والسيدة هلا بجاني المديرة التنفيذية لكلنا إرادة.

سنقدم فيما يلي بعض الموضوعات التي تمت مناقشتها وآراء المشاركين.

د. بساط الذي كتب عدة مقالات عن إفلاس لبنان الذي توقع حدوثه منذ عدة شهور بدأ بالقول إنه على عكس التصور العام فإن وضع لبنان ليس فريداً. لسنا الدولة الأولى التي تقع في الإفلاس، ولن نكون الأخيرة. في الواقع، ما يحدث في لبنان هو مسار اعتيادي للدول الناشئة.

وعن الأسباب الجذرية للأزمة، قال د. بساط أن خطيئتنا الأساسية هي أننا أفرطنا في الاستدانة. راكمت الدولة، بسبب العوامل العديدة التي نعرفها، مثل الفساد والهدر وسوء إدارة النفقات...، 90 مليار دولار من الدين؛ لكن القطاع الخاص اقترض أيضًا بما يتجاوز إمكانياته؛ كما لعب البنك المركزي أيضًا دورًا حاسمًا في تنامي حجم الديون، من خلال الاقتراض من المصارف بأسعار فائدة عالية جدًا وإقراض الحكومة بمعدلات أقل بكثير. لذلك انتهى بنا الأمر بمخزون كبير جدًا من الديون التي أصبحت غير مستدامة. مشكلة الديون المعدومة هي أن الدائنين الذين أقرضوا الأموال يريدون استعادتها. الدائنين الأجانب ليسوا المشكلة الرئيسية للبنان، لأن البلد صغير للغاية، والمبالغ المدينة تشكل نسبة ضئيلة جداً من محافظ المقرضين. المشكلة الحقيقية هي أن المصارف المحلية تملك الجزء الأكبر من الدين العام. ولقد رضيت باتخاذ نسبة مرتفعة من المخاطرة عندما دينت الحكومة مباشرة، أو عن طريق مصرف لبنان بأسعار فائدة مرتفعة، والآن عليها دفع الثمن؛ أولاً من خلال رؤوس اموالها، ولسوء الحظ بما أن الخسائر تتجاوز قيمة رؤوس اموال المصارف، سوف تتأثر الودائع في البنوك.

وفيما يتعلق بالحلول المحتملة، قال الدكتور بساط إنه عندما يواجه صندوق النقد الدولي أزمات مشابهة، يلجأ إلى اعتماد الإجراءات ال٦ التالية؛

  1. أولاً، هناك حاجة إلى محو الخطيئة الأساسية عن طريق شطب كامل أو جزءي لأصل الدين لتقليص رصيد الدين الإجمالي، وذلك من خلال عملية إعادة هيكلة الديون.
  2. بعد ذلك، هناك حاجة للتعامل مع إعادة هيكلة القطاع المصرفي. وهنا، لا يملك لبنان العديد من الخيارات: تقدر الخسائر المتبقية بعد حسم رؤوس أموال المصارف بنحو 44 مليار دولار، والتي سيتم تمويلها من قبل المودعين. ويصبح السؤال كيف توزع هذه الخسائر بطريقة عادلة؟
  3. ومع ذلك، لا ينبغي أن يتحمل المصارف والمودعون الخسائر وحدهم، ويجب على الحكومة أن تلعب دورًا كذلك. لا يجوز أن تكتفي الحكومة بتحقيق فائض مالي أولي فقط، بل يحتم عليها أن تجري إصلاحات هيكلية من شأنها أن تخلق بعض المدخرات لسداد جزء من ديونها.
  4. الذراع الرابع هو اللجوء إلى حالة من الركود العميق حيث تطبق الحكومة برامج تقشفية تمكنها من تخفيض النفقات وخلق مدخرات لخدمة الديون المتبقية. وهذا يؤدي حكماً إلى انخفاض مستويات الاستهلاك وإلى انكماش الاقتصاد، يستمر لمدة عامين على الأقل.
  5. العامل الخامس يكون بتخفيض قيمة العملة المحلية، ولكن بشكل فعلي، وليس على غرار تعدد معدلات الصرف المتوازية حالياً في لبنان. في حين أن الأمر مؤلم للغاية بالنسبة لأصحاب الأجور بالليرة اللبنانية، إلا أن تخفيض قيمة العملة سيؤدي إلى تخفيض أرصدة الدين بالليرة اللبنانية، ويتيح للبنك المركزي فرصة لضخ السيولة بالعملة الوطنية في الأسواق، ويسمح بعودة الدولار من خلال ازدياد السياحة بسبب تدني الأسعار.
  6. أخيراً، وبعد أن يتم تفعيل كل الإجراءات السابقة، يمكن للبنان تفعيل الرافعة الأخيرة، وهي طلب المساعدة الخارجية. إذ ان حجم الخسائر مرتفع للغاية، بحيث لا يستطيع لبنان تخطي الأزمة بالاعتماد فقط على موارده الداخلية.

ان هذا النهج الذي يعتمد هذه الإجراءات الستة هو في الواقع كناية عن معادلة توازن شامل. سوف يؤثر حجم أحد الإجراءات على الإجراءات الأخرى. ويشدد السيد بساط على ضرورة أن يكون لدى المجتمع المدني مطالب واقعية يمكن ان تتحمل الحكومة كلفتها ضمن المجال المالي المحدود والمقيد.

أما فيما يتعلق بخطة الإصلاح المالي للحكومة اللبنانية، قال الدكتور شاوول ما يلي: تدرك خطة الحكومة اللبنانية حجم الخسائر الفادح، وتشير إلى أنه ينبغي على الجميع المساهمة في الحل، الذي يجب أن يعامل الدائنين الأجانب والمحليين على قدم المساواة. كما يجب أن يتحمل جميع المعنيين جزئاً من الخسائر: 1) الدولة، من خلال إنشاء شركة إدارة الأصول العامة؛ 2) السياسيين من خلال التدقيق في جميع المناقصات العامة منذ التسعينات؛ 3) القطاع المصرفي الذي بلغ إجمالي أصوله 200 مليار دولار وبلغ صافي أرباحه التراكمية 19 مليار دولار، من خلال رؤوس أمواله واسترداد أرباح الأسهم الموزعة خلال السنوات الثلاث الماضية؛ 4) المودعون، وخاصة أولئك الذين استفادوا من معدلات الفائدة المفرطة، من خلال شكل من أشكال اقتصاص جزئي من ودائعهم. وأضاف السيد شاؤول أنه لا مفر من تخفيض قيمة العملة المحلية، وأن مثل هذا الإجراء سيتطلب من الحكومة اللبنانية توفير شبكات الأمان الاجتماعي الموسعة لشرائح المجتمع الأشد فقراً، لمساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة العصيبة.

أما بالنسبة للخطة المضادة التي قدمتها جمعية المصارف اللبنانية، فقال السيد بساط إنه لديها إيجابيات وسلبيات. من الجانب السلبي، تخطئ الخطة من خلال اتباع نهج "هم ليس نحن"، وإلقاء اللوم على السياسات المالية للحكومات المتعاقبة، ورفضها تمامًا قبول أي خسارة على رؤوس أموال المصارف. كما أنها تضع العبء الأكبر من الحل على القطاع العام من خلال خفض النفقات. أما من الجانب الآخر، ولصالحها، يؤكد وجود الخطة على أنه لا تجوز شيطنة البنوك، حيث اننا بأمس الحاجة إلى القطاع المصرفي لإعادة تفعيل الاقتصاد.

أما فيما يتعلق بقدرة الحكومة على إجراء المفاوضات، و على القيام بجميع الإصلاحات المطلوبة مسبقًا لإعادة بناء الثقة في أقرب وقت ممكن، اتفق المشاركين على أنه في حين أن قرار التخلف عن السداد والدخول في مفاوضات إعادة هيكلة الديون كان شجاعًا، فإن أداء الحكومة خلافاً عن ذلك كان سيئاً للغاية: 1) فشلت الحكومة في إجراء التعينات المالية، بسبب المحاصصة الطائفية، وهو أمر غير مقبول. 2) فشلت الحكومة في إجراء مفاوضات متزامنة وحوارات بناءة متعددة مع أصحاب جميع التخصصات ومع جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك مصرف لبنان، ABL، خبراء قانونيون والمجتمع المدني؛ وذلك للدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي بموقف موحد.

ومن الجدير بالذكر أن السيد بساط أضاف أنه بعد جائحة كورونا، أصبح صندوق النقد الدولي أكثر تساهلاً حاليًا تجاه الدول الأكثر فقراً، وخفض شروطه، ورفع الكوتا المخصصة للدول، ويريد ضخ الأموال في الدول لتجنبها من الوقوع في الفقر المدقع. وعلى لبنان ألا يضيع هذه الفرصة.

 

بالإضافة، طرح الجمهور العديد من الأسئلة وناقشها المحاوران، نسلط الضوء على اثنين منها.

1) فيما يتعلق بطريقة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، أوصى الدكتور بساط بالنهج الذي قدمه الوزير السابق عادل افيوني. باختصار، يتم تجميع جميع الأصول الهالكة بما فيها اليوروبوندز، وسندات الخزينة، وشهادات الودائع ، وما إلى ذلك في أصول ميزانية فئة واحدة من البنوك ، ويتم تمويلها من الودائع الكبيرة في جانب الخصوم في الميزانية، حتى يتم العثور على حل للمشكلة. ومن ناحية ثانية، يتم تجميع الأصول الجيدة من القطاع الخاص في بنوك سليمة تتم إعادة رسملتها، في مقابل ودائع صغيرة ومتوسطة لجهة الالتزامات. وهذا يسمح لقطاع مصرفي سليم بالاستمرار في العمل ومساعدة الاقتصاد على الانطلاق من جديد، مما يشجع الودائع الأجنبية على العودة في غضون عامين.

2) فيما يتعلق باستخدام أصول الدولة، الأمر الذي يعتبره الكثيرون إجراءً غير عادل، حيث أن حوالي 50٪ من السكان ليس لديهم حسابات مصرفية، وسوف يعاقبون بشكل غير عادل إذا تم استخدام أصول الدولة لإنقاذ البنوك والمودعين، يتبنى السيد بساط مرة أخرى نهجًا واقعيًا وعمليًا للغاية ويوصي بقبول بعض التنازلات وبإيجاد تسوية. فالحقيقة هي أن حجم المشكلة كبير جدًا، وإذا لم نستخدم أصول الدولة، فسنضطر إلى زيادة الوجع في مكان آخر... كتخفيض أكبر لقيمة العملة، أو فترة ركود أطول ... ومع ذلك، يحذر من أنه يجب احترام بعض الشروط عند استخدام أصول الدولة: الإنصاف؛ اختيار الوسيلة الأكثر ملائمة، مثل الخصخصة، أو تحقيق الدخل...؛ واخيراً والأهم، اعتماد الحوكمة السليمة، حيث أثبتت التجربة في لبنان أنه من السهل جدًا نهب الأموال.

في الختام، يوصي كلا المحاورين بأن نواجه الواقع، وأن نتقبل أن الخسائر قد وقعت، وأن على الجميع قبول بعض التنازلات حتى نجد الحل الأكثر إنصافًا. كلاهما متفائلان بحذر، ويعتقدان أن لبنان لديه الكثير من الإمكانات وأنه إذا ضافرنا الجهود، قد نتجنب إمضاء عقودًا للتعافي.

نشاطات